المزمور الخامس والثلاثون
صرخة طلبا للعون
سواء كتب هذا المزمور كملازم للمزمور 34 أم لا ، فحسن أنه وضع بعده مباشرة . ويكمن السبب ليس فقط فى تشابه الصيغ ووجود مقابلات بينهما [ خصوصا الحديث عن ملاك الرب الذى لا يوجد فى أى موضع آخر فى سفر المزامير سوى هنا فى المزمور 34 : 7 ؛ والمزمور 35 : 5 ، 6 ] ، وإنما يكمن السبب أيضا فى الحديث هنا عن نوع الظلمة التى تبددت فى المزمور السابق .
الخلاص الذى احتفل به فى المزمور السابق نراه الآن لا يتحقق سريعا ولا بدون ألم ، إنما يتعرض المؤمن لآلام قد يطول أمدها إن شاء الله ذلك ، غير أن داود النبى لم يشك قط أن يوم النجاة آت حتما . مع كل استغاثة تصدر عن قلبه طلبا للعون تتطلع أنظاره إلى لحظة النجاة الأكيدة ، لذلك يختتم كل قسم من أقسام هذا المزمور الثلاثة بالرجاء ، ويعتبر هذا المزمور مرثاة شخصية .
يتضرع داود النبى فى هذا المزمور إلى الديان العادل ضد أعدائه الذين أبغضوه وأصروا على اضطهاده ، ويفترض أنهم شاول ورفقاؤه ( 1 صم 25 : 9 – 15 ) . لأن الكلمات التى يبدأ بها هذا المزمور مذكورة فى ذلك الإصحاح .
" دن يارب الذين يظلموننى ،
وقاتل الذين يقاتلوننى ،
خذ سلاحا وترسا ،
وانهض إلى معونتى .
استل سيفك وسيج مقابل الذين يضطهدوننى .
قل لنفسى : إنى أنا هو خلاصك ! " [ 1 – 3 ] .
يرفع المرتل دعواه أمام الله العادل كى يدافع عنه وينتقم له . فالمزمور فى كليته هو توسل صادر عن قلب له دالة لدى الله وضمير خالص ، متمرر بسبب ما يعانبه من قهر واضطهاد . حقا ، يصعب على الإنسان أن يحتمل الظلم والجحود ، لكن بالحياة المقدسة فى المسيح يسوع والصلاة بانسحاق يقف الله بجوارنا فى صفنا ويعمل لحسابنا .
" فليخز ويخجل جميع الذين يلتمسون نفسى ،
وليرتد إلى الوراء ،
ويخز الذين يتآمرون على بسوء " [ 4 ، 5 ] .
لقد التمسوا نفس السيد المسيح لا ليتمتعوا بها وإنما ليهلكوها ، أما السيد فلم يمنع نفسه عنهم ، بل قال لهم " من تطلبون ؟ " يو 18 : 8 ، وللحال تحققت النبوة إذ رجعوا إلى الوراء ( يو 18 : 6 ) ، أما هو فسلم نفسه إليهم . لقد طلب منه القديس بطرس أن يهرب من صالبيه ، قائلا : " حاشاك يارب " ، أما هو فقال له : " اذهب عنى يا شيطان " مت 16 : 23 .
" وليكونوا مثل الهباء أمام وجه الريح ،
وملاك الرب يضيق عليهم " [ 5 ]
حدثنا المرتل فى المزمور السابق عن ملاك الرب الحال حول خائفى الرب يخلصهم ، وهنا يظهر ذات الملاك ليضيق على من ضايقوا الأتقياء ... إنه يفرح قلوب الصالحين ويهلك الأعداء الأشرار المصرين على عدم التوبة .
" لتكن طريقهم ظلمة وعثرة ،
وملاك الرب يضطهدهم " [ 6 ]
هم يضطهدون أولاد الله الذين يتشبهون بملائكته ، فيرسل الله ملاكه يضطهدهم . فى كبريائهم رفضوا السيد المسيح الوديع والموتواضع القلب ، رفضوا شمس البر فصار طريقهم ظلمة وعثرة . من لا يقبل المسيح طريقا له يصير إبليس طريقه ، عوض النور يختار الظلمة .
" اجتمعوا على وفرحوا ،
اجتمعت على السياط ولم أعلم .
انشقوا ولم يندموا .
جربونى واستهزأوا بى هزءا ، صارين على أسنانهم " [ 15 ، 16 ] .
ما أعلنه المرتل هنا قد تحقق كنبوة فى شخص السيد المسيح الذى جاء إلى خاصته وخاصته لم تقبله ، انشقوا عليه ولم يندموا ، جربوه وسخروا به وأصروا بأسنانهم كى يفترسوه !
" لا يشمت بى الذين يعادوننى ظلما
الذين يبغضوننى مجانا ،
ويتغامزون بالأعين .
لأنه إياى كانوا يكلمون بالسلام ،
وفكروا مكرا بالغضب ،
فتحوا على أفواههم ،
وقالوا : نعما ، نعما ، قد رأيت أعيننا " [ 19 ، 20 ] .
لقد استهزأ الصالبون بالمسيح ، قائلين : " تنبأ لنا أيها المسيح من ضربك ؟ " مت 26 : 68 ،
" يا ناقض الهيكل وبانيه فى ثلاثة أيام خلص نفسك ، إن كنت ابن الله انزل عن الصليب فنؤمن بك " مت 27 : 40 ،
" خلص آخرين ، وأما نفسه فما يقدر أن يخلصها ، إن كان هو ملك إسرائيل فلينزل الآن عن الصليب فنؤمن به " مت 27 : 42 .
استيقظ يارب :
تتوقف شماتة الأعداء بإعلان قيامة المسيح غالب الموت ، كمن يستيقظ من بين الراقدين .
" قد رأيت يارب فلا تصمت ،
يارب لا تتباعد عنى .
استيقظ يارب وانظر فى حكمى .
إلهى وربى انتقم لى .
أقض لى مثل عدلك ياربى وإلهى .
لا يفرحوا بى ولا يقولوا فى قلوبهم : نعما نعما لأنفسنا .
ولا يقولوا بأننا قد ابتلعناه ...
ليخز ويخجل جميعا الذين يفرحون بمضراتى ،
ليلبس الخزى والعار المعظمون على كلامهم .
يبتهج ويسر الذين يريدون برى .
وليقل فى كل حين : ليتعظم الرب الذين يريدون سلامة عبدك .
لسانى يلهج بعدلك واليوم كله يحمدك " [ 22 – 28 ] .
تكشف هذه العبارات عن ثمار عمل الصليب والقيامة فى حياة المؤمن ، يختتم المزمور بالهتاف والتسبيح لله الذى يقيمنا من موت الخطية .
+ + +