المزمور الحادى والثلاثون
فى يديك أستودع روحى
فى مقال للقديس اغسطينوس عن المزمور 31 كتب : [ إن كان المزمور يصلى صلوا انتم ، وإن كان يحزن احزنوا ، وإن كان سعيدا افرحوا ، وإن كان يترجى فليكن لكم رجاء ، إن كان يخاف خافوا ! لأن كل ما هو مكتوب هنا إنما هو مرآة نرى فيها نفوسنا ] .
مناسبته
هو مرثاة بسيطة مع شكر لإنسان يئن من مرض لسنوات طويلة [ 9 ] ، يضطهده أعداء متشامخون [ 21 ] ، يطلب الحماية فى الله من مواجهة تهديد موت عنيف [ 13 ، 5 ] .
تعددت الآراء حول مناسبة هذا المزمور ، فى الواقع يمثل هذا المزمور الصراع الدائم الذى يعانى منه المؤمنون أو الكنيسة ككل فى ظل هذا العالم الحاضر ، والخلاص والنصرة اللذين يتبعان هذا الصراع على وجه اليقين .
إن كان داود قد صرخ إلى الرب فى ضيقته بسبب اتفاق أهل قعيلة مع شاول على تسليمه ، قائلا : " فى يديك استودع روحى " ، فإن هذه هى صرخة ابن داود الذى حمل خطايا العالم كله على كتفيه ، سلمته لعار الصليب ( لو 23 : 46 ) ، الذى يتبعه مجد القيامة . إنها صرخة كل تقى فى كل جيل حين يحدق به الضيق من كل جانب ، فيحول الله صرخته المرة إلى ترنم وتسبيح !
طبيعة آلام المرتل العامة – خاصة فى الأعداد 1 – 8 ، تجعل من هذا المزمور صوتا لكثير من المتعبدين عبر القرون .
الله ملجأى [ 1 – 8 ]
" عليك يارب توكلت ( وترجيت )
فلا تخزنى إلى الأبد .
بعدلك ( ببرك ) نجنى وانقذنى " [ 1 ]
فى النص العبرى : " فيك يارب اترجى وإتكل " ، وقد جاء الفعل " أترجى " فى زمن الديمومة ، أى أن الفعل مستمر حتى الآن . وعلى الرغم من أننا لا نركز أنظارنا على حادثة معينة فى حياة داود تخص هذا القول ، إلا أنه من الواضح أن المزمور يتعلق بخطر معين أحدق بداود ، وربما يتعلق بعدة مخاطر حلت به .
فى القسم الأفتتاحى للمزمور ، يضع المرتل ثقته فى عدل الله أو بره ، بمعنى أن الرب عادل فى تحقيق مواعيده الخاصة بغفران الخطايا وحماية مؤمنيه ، لن يتنكر لها . إنه عادل ، لن يتخلى عمن وضع كل اتكاله عليه وثقته فيه .
يتكل المرتل على بر الله ، البر بالتأكيد هو فوق الأمانة ، لكن بدون الأمانة لا يوجد بر . البر هنا هو بر الله لا بر داود .
إننا نجد ملجأنا فى الله ، لأنه ( المكان ) الخفى الذى إليه نهرب من الخطية بكونها عدو لنا ، فننال بره ، هو صخرة صلدة ، بيت للدفاع ، قلعة حصينة ومأوى أكيد . بهذا لن تهزنا التجارب ولا نفقد سلامنا الداخلى .
+ الإنسان الذى يكرس نفسه لله مرة وعلى الوام ، يعبر الحياة بعقل مستريح .
المسيح ، إلهى ، هو حمايتى وبيت ملجأى [ 2 ] ، لذا يسأل المرتل إلهه أن يخلصه سريعا ، قائلا :
" أمل إلى سمعك ، وأسرع إلى خلاصى
كن لى إلها وعاضدا وبيت ملجأ لتخلصنى " [ 2 ]
قبل أن يطلب المرتل الخلاص من الضيق يعلن اعتزازه بالله بكونه إلهه ، وكأنه خاص به . انتساب الله إليه وهو إلى الله هو كل شىء بالنسبة له ، وهو سر خلاصه .
شعر المرتل كأن فخا قد نصبه له الصياد مخفيا وسط الأحراش ، وها هو ينتظر مصيره ، لكنه يجد الله إلهه هو ملجأ له ، يفتح له مقدسه ليحميه من مضطهديه .
+ أنت هو بيت ملجأى ، إليك أركض .. فإننى أين أهرب منك ؟
المسيح قوتى
" لأنك أنت هو قوتى وملجأى .
فمن أجل اسمك تهدينى وتعولنى " [ 3 ] .
يعلن المرتل المتألم للمرة الثانية عن ثقته الكاملة فى الله بالنسبة له شخصيا ، إذ يكرر المرتل ياء الملكية : " قوتى ، ملجأى " .
+ أنت قوتى فى احتمال مضطهدى ، وملجأى الذى إليه أهرب منهم .
إذ أحاط به العدو وسقط المرتل فى ضيقات كثيرة ، لم يجد فى إلهه المخلص له من الضيقات فحسب ، وإنما القائد الغالب لحسابه والراعى المتحنن على رعيته .
إنه يعولنا كخالق مهتم باحتياجات أجسادنا ونفوسنا وأرواحنا وعقولنا الخ ...
إن جعت تجده طعامك السماوى ،
وإن تعريت يغطيك بدمه فيسترك أبديا ،
وإن أحاط بك الأعداء قاد المعركة الروحية بنفسه ،
وإن تهت قدم نفسه الطريق والحق ،
وإن مت فهو قيامتك .
لن يشعرك بحرمان قط ، هو الطبيب والعريس والصديق والباب والحياة والفرح والغنى الخ ...
المسيح يخلصنا من الفخاخ السرية التى ينصبها الأعداء الأعداء لنا .
" تخرجنى من هذا الفخ الذى أخفوه لى ،
لأنك أنت ناصرى " [ 4 ] .
" فى يديك استودع روحى .
لقد فديتنى يارب إله الحق " [ 5 ]
هذه الكلمات الأخيرة التى نطق بها المخلص عند موته بالجسد ( لو 23 : 46 ) ، تخص كل مؤمن . إنها معين قوى وسند له فى ساعة موته .
لقد نطق بها القديس اسطفانوس ( أع 7 : 58 ) ، وهو يرجم ، فقد شعر بالأمان عندما رأى السموات مفتوحة وابن الإنسان قائم عن يمين العظمة ، كمن يرحب به ويدخل به إلى الفردوس . لم يرتبك أمام الحجارة التى تنهال عليه ، ولا خشى الراجمين ، بل تحنن عليهم وطلب لأجل غفران خطاياهم ، لعلهم يتمتعون بما يناله هو .
المسيح مصدر فرحى وبهجتى :
" أتهلل وأفرح برحمتك .
لأنك نظرت إلى تواضعى ،
وخلصت من الشدائد نفسى " [ 7 ] .
صار المرتل عارا وخزيا فى أعين جميع أعدائه :
" صرت عارا بين جميع أعدائى ،
ولجيرانى جدا ،
الذين كانوا يبصروننى هربوا عنى خارجا " [ 11 ]
أما حدث هذا مع السيد المسيح نفسه الذى أسلموه للمحاكمة ظلما ، وكانوا يستهزئون به ويسخرون منه ! ويبصقون على وجهه ؟! يقول عنه النبى : " محتقر ومخذول من الناس .... محتقر فلم نعتد به " إش 53 : 3 .
" اجتمعوا على جميعا ،
تآمروا فى أخذ نفسى " [ 13 ]
إنه من المحزن حقا أن يجتمع الشر معا بروح الوحدة لأتفاقهم على أمر واحد ، هو مقاومة أولاد الله ، كما سبقت فاجتمعت القيادات اليهودية الدينية مع قوى الدولة لصلب رب المجد يسوع .
" حبوا الرب يا جميع قديسيه ،
لأن الرب ابتغى الحقائق
ويجازى الذين يعملون الكبرياء بإفراط .
تشجعوا وليقو قلبكم يا جميع المتكلين عليه " [ 23 – 24 ] .
خلال هذه التسبحة الجماعية يتعلم المؤمنون الألتزام بحب الله فى شجاعة ، فإن كان المرتل قد تحدث عن بركات مخافة الرب ، فإن المخافة الحقة لا تنفصل عن حب الله . ومن يخاف الله يلزمه أن يقوى قلبه ولا يخاف الناس .
+ + +