المزمور الثالث والثلاثون
ترنيمة نصرة وفرح
ارتباطه بالمزمور السابق
من الواضح أن هذا المزمور كتب كتكملة للفكر الوارد فى المزمور السابق ، حيث يكشف عن أسباب إضافية لتهليل الأبرار وفرحهم فى الرب .
دعوة للتسبيح
اختتم المزمور السابق بالحث على التسبيح لله بفرح وبهجة وافتخار ، الآن يفتتح المزمور بذات الدعوة ، مقدما المرتل أسبابا إضافية كبواعث للتسبيح .
" ابتهجوا أيها الصديقون بالرب ،
للمستقيمين ينبغى التسبيح .
اعترفوا للرب بقيثار ،
وبكينارة ذات عشرة أوتار رتلوا له .
سبحوا له تسبيحا جديدا ؛
ورتلوا له حسنا بتهليل " [ 1 – 3 ] .
1 – يرى البعض أن الكلمة العبرية المقابلة للفعل " ابتهجوا " هى فى الأصل تعنى : " ارقصوا فرحا " ، وهو تعبير قوى جدا عن التهليل الحى ، حيث يهتز كيان الإنسان الداخلى طربا من أجل اللقاء مع الله ، كما رقص داود النبى أمام تابوت العهد ( 2 صم 6 : 14 ) ، وكما ارتكض ( رقص ) الجنين فى أحشاء القديسة أليصابات عند زيارة القديسة مريم لها .
هذا التسبيح أو رقص الكيان الداخلى هو هبة إلهية كثمر للروح القدس الواهب الفرح .
2 – سر البهجة أو التسبيح هو الرب : " ابتهجوا ... بالرب " ؛ نفرح به لا بذواتنا ، نفرح بحضرته لا ببركاته الزمنية .
3 – " للمستقيمين ينبغى التسبيح " : إن كان التسبيح هو هبة إلهية ، عطية الروح القدس للمؤمنين ليمارسوا الحياة السماوية المفرحة ، فإنه فى نفس الوقت التزام ، إذ يليق بالمؤمن الذى يمارس الحياة التقوية أن يتمتع بامتيازه ، فيسبح الله كملاك متهلل .
4 – " سبحوا له تسبيحا جديدا " [ 3 ]
كثيرا ما نقرأ عن التسبحة الجديدة فى سفر المزامير ( 96 ، 98 ، 149 ، .... ) ، كما نسمع عن الترنيمة الجديدة فى السماء ( رؤ 5 : 9 ، 14 : 3 ) .
إن كانت الجبال ترنم للرب ( إش 55 : 12 ) ، وأيضا الأودية ( مز 65 : 13 ) ، وأشجار الوعر ( 1 أى 16 : 33 ) وكواكب الصبح مع بنى الله ( أى 38 : 7 ) ، إذ الكل ، السمائيون والأرضيون ، الخليقة العاقلة والجامدة ، يسبحونه بكونه خالقهم المهتم بالكل ، فإننا نحن الذين تمتعنا بعمله الخلاصى كمراحم جديدة نختبرها كل يوم فى معاملاته معنا ، نسبحه تسبيحا جديدا .
يشير هنا إلى " تسبحة جديدة " دون إشارة إلى آلات موسيقية ، لأنها تسبحة سماوية لا تحتاج إلى آلات موسيقية أرضية .
يسألنا المرتل أن نسبحه تسبيحا جديدا ينبع عن الإنسان الداخلى ، دائم التجديد بعمل الروح القدس . نسبحه من أجل مراحمه الجديدة كل صباح ، إذ يشرق شمس البر فينا ، واهبا إيانا استنارة روحية ، نسبحه بإنساننا الجديد إذ صلب الإنسان القديم بأعماله الشريرة !
لنترك مركبات العالم ولنمتط مخافة الرب ، تلك المركبة الإلهية القادرة أن ترفعنا فوق كل الأزمات والضيقات ، تجتاز بنا فوق الموت ، ولا يحاصرنا غلاء أو وباء ، وكما يقول المرتل :
" هوذا عينا الرب على خائفيه والمتكلين على رحمته ،
لينجى من الموت أنفسهم ويعولهم فى الغلاء " [ 18 ، 19 ] .
صلاح الله [ 20 – 22 ]
" أنفسنا تنتظر الرب فى كل حين ،
لأنه هو معيننا وناصرنا .
وبه يفرح قلبنا ،
لأننا على أسمه القدوس اتكلنا .
فلتكن رحمتك يارب علينا ،
كمثل اتكالنا عليك " [ 20 – 22 ] .
يتمتع خائفوا الرب بنظرات الله الحانية ، الواهبة النعم ، التى تكشف عن اهتمام شخصى وتقديره للنفس البشرية ... الأمر الذى يفرح قلب المؤمن .
مع تمتعه بالخلاص ، وإدراكه لقوة اسم الله القدوس ، لا يكف المرتل عن الصراخ طالبا رحمة الله ، حتى وسط تسبيحه ، مدركا أن ما يناله هنا هو عربون لأمجاد لا يعبر عنها فى الحياة الأبدية .
وكأنه مع كل نصرة ، وكل نجاح ، وكل شبع يزداد الحنين نحو الشبع الكامل فى الملكوت الأبدى فيمتزج الفرح بصرخات القلب الخفية وأنينه نحو التمتع باللقاء الأبدى مع الله وجها لوجه .
+ + +