المزمور الثلاثون
شكر للخلاص من الموت
ولتدشين بيت داود
إنها سلسلة صغيرة من مزامير الشكر [ مز 30 – 34 ] ، أولها هذا المزمور ، فيه اعتراف بالجميل وشكر من أجل شفاء مفاجىء وربما بطريقة معجزية تمتع به شخص مصاب بمرض خطير . فإن الآيتين 3 ، 9 تشيران بصراحة إلى الموت والقبر ، وإلى الشفاء الرائع الذى بعث شكرا مملوءا فرحا ، كما أثار المرتل ليبرز الدروس التى تعلمها من آلامه .
يزعم البعض أن العلاقة بين هذا المزمور كشكر لأجل الشفاء من مرض خطير وتدشين قصر داود ، علاقة غامضة ، لكن فى الحقيقة توجد علاقة وطيدة بينهما .
فقد قاست طبيعتنا الصالحة من مرض شديد ، إذ فقدت صورة الله والتمثل بخالقها ، وكان عمل المخلص أن يشفيها ويعيد لها جمالها الأصيل الأول ، مجددا خلقتها ليقيمها قصرا له أو مقدسا مكرسا لله .
" أعظمك يارب لأنك احتضنتى ، ولم تشمت بى أعدائى " [ 1 ] .
كان داود شاكرا ، لأن قيامه لم يكن بمجهوده الذاتى ولا بمجهودات البشر ، فإنه لم يكن يصعد على سلم من صنع البشرية ، بل الله هو الذى رفعه .
+ ارتبك الشيطان وملائكته عند قيامة ربنا . رئيس الموت دخل إلى الموت عندما رأى الموت يقهر !
" ياربى وإلهى ، صرخت إليك فشفيتنى " [ 2 ] .
نحن نرى أن الكتاب يربط بين المرض والصحة بعلاقتنا بالله ، وبالخطية والفضيلة ، يلخص سفر التثنية ذلك بالقول : " أنا أميت وأحيى ، سحقت وأنا أشفى " تث 32 : 39 .
يستخدم الشفاء للتعبير عن إصلاح القلب الشرير ( إش 6 : 10 ) ..
ومعالجة الكسور ( مز 60 : 2 ) .... وشفاء الناس من الإنحراف الروحى ( إر 3 : 22 ) ، ... وعزاء الحزانى ( مز 147 : 3 ) .... وإصلاح الوعاء الفخارى المكسور ( إر 19 : 11 ) .... وربما يقصد بالشفاء الخلاص من وباء يصعب توقفه ، وذلك كما قال الله للملاك المهلك : " كفى . الآن رد يدك " 2 صم 24 : 16 .
الله هو طبيب النفس والجسد ، فى يده شفاء كياننا كله ، يقول : " إنى أنا الرب شافيك " خر 15 : 26 . هو صانعنا وطبيبنا ، يقدر أن يرد لنا صحتنا المعتلة . بلمسة هدب ثوبه برئت نازفة الدم ، وبكلمة كانت تخرج الأمراض !
" يارب أصعدت من الجحيم نفسى ، وخلصتنى من الهابطين فى الجب " [ 3 ]
الله كمخلص يحملنا من حفرة الخطية ، وينتزعنا من هوة اليأس ، يرفعنا من المزبلة ، ويدخل بنا بنعمته إلى عرش نعمته ، هو الذى أنقذ أرميا من جب الوحل الذى فى دار السجن ، وهو الذى خلص يرسف من البئر ليقيمه ممجدا فى أرض غريبة !
نزل إلى الجحيم وهبط كما فى جب لكى ينقذنا من سلطان الظلمة ، ويدخل بنا إلى مملكة النور .
" رتلوا للرب يا جميع قديسيه ، واعترفوا لذكر قدسه ، لأن سخطا فى غضبه وحياة فى رضائه .
بالعشاء يحل البكاء ، وبالغداة السرور " [ 4 ، 5 ] .
اختبر داود النبى حياة التسبيح والفرح فى الرب ، وها هو يدعو قديسى الرب مشاركته هذه الحياة الملائكية بتذكرهم أعماله القدسية عبر التاريخ وفى حياتهم ، إذ يعلن الرب قداسته الفائقة خلال معاملاته معهم .
يدعو المرتل المؤمنين قديسين ، لأن القداسة تخص الله وحده ، يهبها لشعبه ليمارسوا الحياة المقدسة . لقد وهبنا ربنا يسوع المسيح روحه القدوس كروح التقديس واهب جميع الخيرات الذى يوحدنا معا كجماعة تسبيح مقدسة !
" أنا قلت فى نعيمى إنى لا أحول ( اتزعزع ) إلى الدهر .
يارب بمشيئتك أعطيت جمالى قوة ، صرفت وجهك عنى فصرت قلقا " [ 6 ، 7 ] .
الذين يظنون أنهم فى طمأنينة أو فى نعيم ، متكلين وكرامتهم وثروتهم ، يحسبون أنفسهم أنهم لن يتزعزعوا ، لكنهم فى الواقع يبنون حصونهم على رمال فتنهار .
إن كان داود قد اعتلى العرش ونال نصرات متتالية ، فهذا هو عمل مشيئة الله ، لكن الآن إذ يصرف الله وجهه عنه يتزعزع ويمتلىء قلقا حتى يرجع إلى نفسه ويعود بالتوبة إلى إلهه .
" أية منفعة فى دمى إذا هبطت إلى الهلاك ؟! ، هل يعترف لك التراب ؟! أو يخبر بحقك ؟! ،
سمع الرب فرحمنى ، الرب صار لى عونا " [ 9 ، 10 ] .
كان يقول فى صراحة الحب : ماذا تنتفع إن سفك دمى أو هلكت ؟! أما تفقد أحد أحبائك الذين يسبحون لك ويمجدونك ؟ ، حينما أفقد طبيعتى السماوية وأصير ترابا ، هل يمكن لحياتى أن تعترف بحبك أو تعلن عن حقك يا صانع الخيرات ؟!
إنه عتاب الحب فيه يستجدى بدالة مراحم الله ويطلب تحقيق مواعيده الإلهية .
لقد سمع الرب صلاتى فرحمنى بنزوله إلى الجحيم كى يكون لى عونا ، يحملنى من هناك ويدخل بى إلى ملكوته ، أو يقيم ملكوته فى داخلى ، فأسبحه قائلا :
" رددت نوحى إلى فرح لى . مزقت مسحى ومنطقـتنى سرورا " [ 11 ] .
لم يصمت المرتل ، إذ أراد أن يعرف كل أحد ما حدث فى حياته من تغير ، من نوح إلى فرح أو رقص ، ومن ارتداء المسوح إلى التمنطق بالبهجة والسرور ، ومن الصمت إلى التسبيح .
" لكيما يرتل لك مجدى ولا أندم ،
ياربى وإلهى إلى الأبد أعترف لك " [ 12 ]
يختتم المرتل مزموره بالألتزام بالأعتراف بالحمد لله بكونه ربه وإلهه الذى يهتم به شخصيا . كأنه عوض الموت الذى لحق به والذى من أجله صرخ ، صار فى حياة جديدة على مستوى سماوى لا تعرف إلا التسبيح تحت كل الظروف .
+ + +