المزمور الثانى والعشرون
الآم المسيح المجيدة
يعتبر هذا المزمور بالنسبة للمسيحيين " قدس الأقداس " . استخدم مخلصنا كلماته الأفتتاحية فى صلاته على الصليب . وهو يروى لنا فى شىء من التفصيل الصلب والقيامة وتأسيس مملكة المسيح الروحية من الأمم .
نسمع فى هذا المزور ربنا يسوع – خلال فم داود النبى – يتغنى بتسبحة الألم ، ليحول آلامنا إلى تسابيح ! وكما يقول القديس بولس : " ناظرين إلى ... يسوع ، الذى من أجل السرور الموضوع أمامه احتمل الصليب مستهينا بالخزى ، فجلس فى يمين عرش الله " عب 12 : 2
مزمور مسيانى
هيكل هذا المزمور فريد فى نوعه . يتطلع آباء الكنيسة إلى هذا المزمور كمزمور مسيانى ، يروى بتناغم وتوافق أحداث الصلب المؤلمة جنبا إلى جنب مع أحداث القيامة المبهجة ، وأخبار الكرازة بالإنجيل ( الأخبار السارة ) بين الأمم لإقامة كنيسة المسيح ، مملكته المجيدة !
لا يمكن لمسيحى أن يقرأ هذا المزمور إلا ويلتقى بالصلب فى حيوية وقوة . " النبوة " ربما هى الموضوع الوحيد لهذا المزمور ( 1 بط 1 : 10 – 11 ؛ لو 24 : 25 – 26 ) ، إذ يحسب إحدى النبوات الكاملة عن آلام المسيح واتضاعه ومملكته المجيدة غير المحدودة بين الأمم .
ورد فى العهد الجديد اقتباسات من هذا المزمور 13 مرة ، منها 9 مرات فى قصة الآلام وحدها . وقد اتخذ منه تلاميذ ربنا يسوع المسيح مادة للكرازة بالرسالة الخلاصية لصلب السيد المسيح وموته وقيامته .
أقسام المزمور
1 – المسيح المتألم 1 – 21
2 – المسيح الممجد 22 – 31 .
1 – المسيح المتألم :
ورد هنا وصف كامل لقصة الصلب الرهيبة ، التى تحققت تماما وبطريقة حرفية آلام السيد المسيح .
1 – أعلنت كلمات المزمور الأولى عن تكلفة فدائنا :
" إلهى إلهى لماذا تركتنى ؟! بعيدا عن خلاصى عن كلام زفيرى ( عن ثقل خطاياى ) " [ 1 ] .
إنها صرخة يائسة اقتبسها ربنا على الصليب ، مظهرا أنه يختبر ما ورد فى هذا المزمور .
لقد حسب ربنا – كممثل للبشرية – كأنه متروك من الآب إلى حين ، لأنه صار لعنة لأجلنا ( غلا 3 : 13 ) ، وصار خطية من أجلنا ذاك الذى لم يعرف خطية ( 2 كو 5 : 21 ) ، حتى لا نصير نحن متروكين من الآب أبديا .
جاء فى إشعياء " لحيظة تركتك وبمراحم عظيمة أجمعك ، بفيضان الغضب حجبت وجهى عنك لحظة ، وبإحسان أبدى أرحمك " إش 54 : 7 .
شاركنا مخلصنا خبرتنا المرة إذ نشعر أن الله تركنا . صارع حتى الموت ليقيم نفسه جسرا يقودنا خارج ضيقتنا وينطلق بنا إلى حضن الآب . أظهر لنا على الصليب مقدار بعدنا عن الله وانفصالنا عنه ، هذا الذى هو علة وجودنا كله .
تدخل بنا هذه الكلمات وجها لوجه مع أعماق عمل المسيح غير المدرك الحامل لخطايانا ، هذا الذى وضع عليه إثم جميعنا . يسوع الذى صار خطية لأجلنا ، وفى خضوع وضع نفسه تحت غضب الآب وكراهيته للخطية . " أما الرب فسر بأن يسحقه بالحزن " إش 53 : 10 .
أجاب المخلص على هذا السؤال بنفسه :
" أنت القدوس " [ 3 ]
هذه هى الإجابة : القداسة الإلهية ؛ لأنه كان يجب أن يسدد بالكامل ثمن الخطية ، الثمن الذى لا يمكننا إدراكه .
قداسة الله تكشف الفرق الشاسع بين عظمة الله وبيننا نحن .
2 – يظهر المزمور صورة الصليب بالآمه وعاره :
يقول المرتل إن آباءه اتكلوا على الرب [ 4 – 5 ] ، أما حالته فميئوس منها ، لأنه دودة لا إنسان .
" أما أنا فدودة لا إنسان ،
عار عند البشر ومحتقر الشعب " [ 6 ] .
هذه هى كلمات السيد المسيح الذى صار مهانا ومحتقر الشعب . صار فى عينى الأعداء مرذولا من الله ، كدودة مدوسة بالأقدام !
الكلمة العبرية المقابلة بـ " دودة " تستخدم للحشرة الصغيرة التى يستخرج منها الصبغة القرمزية اللون أو الأرجوانية ، تنتج عن موت الحشرة . هذا اللون كان لازما فى خيمة الإجتماع . هكذا مات السيد المسيح حتى تصير خطايانا التى كالقرمز بيضاء كالثلج .
" عار عند البشر ومحتقر الشعب " [ 6 ]
اتضاعى جعلنى موضع سخرية البشر ، فيستطيعون القول باستخفاف وبروح الإساءة :
" أنت تلميذ ذاك " يو 9 : 28 ، وهكذا يقودون الغوغاء إلى احتقاره .
" كل الذين يروننى يستهزئون بى " [ 7 ]
كنت أضحوكة كل من ينظر إلى .
" يفغرون الشفاة وينغضون الرأس " [ 7 ]
صمتت قلوبهم ، فنطقوا بشفاههم وحدها .
" يفغرون الشفاة " إشارة إلى فتح الفم أو الضحك ...
" ينغضون الرأس " علامة الأستهزاء بحركة الرأس .. فى الحركتين استهزاء وسخرية ( مت 27 : 39 ؛ مر 15 : 29 ) .
يقول فى المزمور : " لأنك أنت جذبتنى من البطن " [ 9 ] . مشيرا إلى أنه ولد بغير زرع بشر ، بكونه أخذ من بطن العذراء وجسدها ..
3 – لقد تخلى عنه أصدقاؤه ( لا معين ) [ 11 ] . إذ داس المعصرة وحده .
4 – استخدم المرتل حديثا مجازيا لوصف أعدائه : الثيران ، الكلاب ، الأسود ، قادة اليهود الأشرار ...
" أحاطت بى ثيران كثيرة ، أقوياء باشان اكتنفتنى " [ 12 ] . هؤلاء هم الشعب وقادته ، الشعب أو الثيران التى بلا عدو ، وقادتهم الثيران القوية .
5 – " وإلى تراب الموت تضعنى " [ 15 ] : الموت الذى اجتازه كان بحسب إرادة الآب ، كعمل طاعة من جانبه .
6 – يصف هذا المزمور موت السيد المسيح على الصليب ، هذه الوسيلة التى لم تكن متبعة قط عند اليهود ، إنما ابتكرتها الأمبراطورية الرومانية .
هنا يصور لنا هذا الموت الرهيب :
( أ ) يشير إلى " الظلمة " [ 2 ] التى غطت الأرض عندما صلب ربنا .
( ب ) " كالماء انسكبت " [ 14 ] . عندما طعن جنب ربنا خرج من الجرح دم وماء .
( جـ ) " انفصلت كل عظامى " [ 14 ] . عندما علق السيد المسيح على الصليب أرهقت العضلات وانفصلت المفاصل عن مكانها .
+ لا توجد كلمات تصف تمدد جسد ( المسيح ) فوق الشجرة أفضل من هذه : " أحصى كل عظامى " [ 17 ] .
( د ) " ثقبوا يدى ورجلى " [ 16 ] .. لكى يشفى جراحاتنا بجرحه ...
( هـ ) " صار قلبى كالشمع . قد ذاب فى وسط أمعائى " [ 14 ] . ذاب لكى تنطبع فيه صورة غضب الله ضد الخطية التى حملها السيد المسيح لننال الرضى . ذاب قلبى فصرت كشخص ميت ، نازعا قساوة القلب واهبا إياه لطفا وليونة .
( و ) " ويبست مثل شقفة قوتى 15 ،... ولصق لسانى بحنكى 15 ، ... وهم ينظرون ويتفرسون فى 17 ،...... يقسمون ثيابى بينهم وعلى لباسى يقترعون 18 " .
لقد عرى ، فإن عار العرى هو ثمرة مباشرة للخطية ، لهذا تجرد ربنا يسوع من ثيابه عندما صلب لكى يكسونا بثوب بره ، ولكى يسترنا من عار عرينا .
" أنقذ من السيف نفسى " [ 20 ]
إنه السيف الملتهب الذى للغضب المقدس ، الذى يتحرك فى كل اتجاه .
المسيح الممجد [ 22 – 31 ] .
" أخبر بأسمك إخوتى ،
فى وسط الجماعة أسبحك " [ 22 ] .
بينما رأيناه على الصليب وحيدا ، لا نراه هكذا بعد ، بل يظهر وسط إخوته . فى يوم قيامته قدم الرسالة المفرحة ( يو 20 : 17 ) ...
" فى وسط الجماعة أسبحك " [ 22 ] .. السيد المسيح هو موضع سرور الآب ، يسر الآب بسماع صوته خلال كنيسته .
+ بفرح أعلن مجدك فى أركان كنيستى .
الكنيسة هى جماعة حب ، لأن أعضاءها هم إخوة السيد المسيح . وهى فى ذات الوقت جماعة " خائفى الرب " [ 23 ] ، فإن كان السيد المسيح يدعونا أحباءه إلا أننا نحن نحسب أنفسنا عبيدا له .
تنبأ عن خلاص الأمم قائلا : " تذكر وترجع إلى الرب كل أقاصى الأرض " [ 27 ] ، يأتى العالم ليعبد الرب .
+ ستتعبد له كل أجناس المسكونة داخل قلوبهم ، " لأن للرب الملك ، وهو المتسلط على الأمم " [ 28 ] . المملكة هى للرب لا للإنسان المتكبر ، وهو يتسلط على الأمم .
عندما نترنم بهذا المزمور نتأمل فى آلام السيد المسيح وقيامته ، نشاركه صلبه ونبلغ قوة قيامته ومجدها ، كمصدر نصرتنا على الموت وتمتعنا بالمجد السماوى .
+ + +