المزمور الثامن
سلطان إبن الإنسان
هذا المزمور هو أغنية تسبيح أو حمد ، تمجد الله الخالق ، لأنه أعطى البشر المسئولية والكرامة ، يدور المزمور كله حول عظمة الله ومجده خلال عظمة الإنسان وكرامته .
يرى بعض الدارسين أن هذا المزمور نظمه داود النبى ليلا ، حين كان يسهر على القطيع ، فهو زاخر بالتأملات الليلية .
مزمور مسيانى
اقتبس هذا المزمور فى العهد الجديد ثلاث مرات ، فيشير إليه ربنا يسوع المسيح حينما هتف الأطفال فى الهيكل : " أوصنا لأبن داود " مت 21 : 16 ، كما اقتبسه بولس الرسول فى 1 كو 15 : 27 ، وعب 2 : 5 – 9 ، مظهرا أنه يشير إلى ربنا .
وقد اعتبر مزمورا مسيانيا على أعلى مستوى ، إنه نبوة تخص السيد المسيح فى آلامه ، وقيامته ، وسلطانه على كل المخلوقات . فيقول أحد الدارسين السريان : [ المزمور الثامن يخص المسيح مخلصنا ] .
" أيها الرب مثل عجب صار اسمك على الأرض كلها ،
لأنه قد ارتفع عظم بهائك فوق السموات " [ 1 ]
عجيب هو اسم الله فى الخلقة وفى عهده الذى أقامه مع الإنسان ، أينما وجد الإنسان !
مجده يملأ " الأرض كلها " كخالق للمسكونة .
" لأنى أرى السموات أعمال أصابعك ،
القمر والنجوم أنت أسستها " [ 3 ] .
يذكر هنا القمر والنجوم دون أن يشير إلى الشمس ، لأنها ترمز إلى " ربنا يسوع المسيح " ، العريس السماوى ( مز 19 : 5 ) .
القمر بتغيراته يرمز إلى " الكنيسة " ، أما النجوم بأمجادها المتباينة فى النور فترمز إلى " المؤمنين ".
يتحدث المرتل عن السموات بكونها " أعمال أصابعه " . كما فى كل الصناعات اليدوية يستخدم الإنسان أصابعه ، لهذا وكنوع من الإخلاء والأتضاع قيل إن الله صنع السموات بأصابعه ، مع أنه بدون أعضاء جسدية .
الناموس أيضا كتب بأصبع الله ( خر 31 : 18 ) ، التى نفهم بها الروح القدس . فإن الروح القدس الذى يسجل كلمات الله فى قلوبنا هو القادر وحده أن يحولنا إلى سموات !
" وضعته قليلا عن الملائكة " [ 5 ]
الله الذى هو بالطبيعة فوق الملائكة ، قد اتضع وأنقص قليلا عنهم بإخلائه ذاته بالتجسد ، ليهبنا شركة مجده ( عب 2 : 6 – 8 ، 1 كو 15 : 27 ) .
+ لأنه حمل طبيعتنا أنقص قليلا عن الملائكة .
تمجيد اسم الرب [ 9 ]
لا يختم المرتل مزموره بالتأمل فى سلطان الإنسان على الأرض ، وإنما يعود إلى البداية حيث يعلن مجد اسم الرب إلهنا .... وكأن مجد اسمه هو البداية والنهاية ، أما مجدنا فهو عطية من الله الممجد فى كل الأرض .
" أيها الرب ربنا ، مثل عجب صار اسمك على الأرض كلها " .
+ + +
المزمور التاسع
تسبحة الغلبة
المزموران 9 ، 10
يرتبط المزموران 9 ، 10 إرتباطا وثيقا ببعضهما البعض ، وقد وجد اتفاق شبه عام على أنهما يكونان مزمورا واحدا . وفى الحقيقة تدعوهما النسخة السبعينية المزمور التاسع ، وقد تبعتها الترجمة اللاتينية المسماة الفولجاتا وأيضا النصوص الليتورجية القديمة فى الكنيسة الشرقية والغربية .
" اعترف لك يارب من كل قلبى ،
وأحدث بجميع عجائبك ،
أفرح وأتهلل بك .
أرتل لأسمك أيها العلى " [ 1 ، 2 ] .
افتتاح هذا المزمور هى صلاة شكر من أجل نوال نصر ظافر وأكيد على أعداء المرتل . يمكن فهمه على أنه نذر للرب ، به ينذر العابد الحقيقى أنه سيشهد باسم الرب ويتحدث بجميع عجائبه .
الرب الديان
" فى ارتداد عدوى إلى خلف يضعفون ويهلكون جميعا من وجهك ، لأنك صنعت حكمى وانتقامى " [ 3 ]
إن سقط أعداؤنا الروحيون إنما يتحقق ذلك فى حضرة الله . فحضوره ومجد قوته كفيلان بتدمير لأعداء شعب الله .
الرب الملجأ
" وكان الرب ملجأ للفقير ،
وعونا فى أوقات موافقة فى الضيق " [ 9 ]
يعانى الأبرار الذين يعرفون اسم الرب من متاعب كثيرة ، خلالها يكتشفون أن الله ملجأ لهم . وقد استخدم المزموران 9 ، 10 العديد من الأسماء بها يشير إلى الأبرار : المساكين ، المتواضعين ، البائسين ، المحتاجين ، الأبرياء ، اليتامى ، طالبى الرب وعارفى اسمه .
الله هو ملجأ عال لحماية قديسيه ، لن يبلغ إليه أقوى أعدائهم الأشرار .
العدو يميتنى بالقلق والمخلص يرد لى البهجة والفرح :
" يا رافعى من أبواب الموت ،
لكيما أخبر بجميع تسابيحك ،
فى أبواب إبنة صهيون ،
أبتهج بخلاصك " [ 14 ]
بالخطية تغلق علينا أبواب الموت الأبدية ، وتفقد النفس سلامها مع الله ومع ذاتها فلا تقدر على التسبيح . أما مسيحنا الغالب للموت فيرفعنا من أبواب الموت بعدما حطم متاريسه ، وأطلق لسان قلوبنا بالفرح لننشد له تسابيح الفرح . يدخل بنا إلى إبنة صهيون ، الكنيسة السماوية ، التى تشارك السمائيين بهجتهم وليتورجياتهم وتسابيحهم .
يعاقب الله على الشر ، ويكافىء الأبرار على صبرهم :
" سيعرف الرب أنه صانع الأحكام ،
والخاطىء بأعمال يديه أخذ ...
وصبر البائس لا يهلك إلى الدهر " [ 16 ، 18 ]
تظهر عدالة الله فى معاقبته الأشرار ومكافأة الأبرار .
+ + +
المزمور العاشر
لا تنس المساكين يارب
يتحدث المزمور السابق عن الأعداء الخارجين أما هنا فعن الأعداء الداخليين الذين يظلمون المساكين والأيتام ، متجاهلين حكم الله وقضاءه .
ينتهى المزمور بالإيمان بالرب العطوف على اليتيم والبائس ، فلا يدع الأشرار المتكبرين فى مجتمع ما أو على مستوى المسكونة كلها أن يطغوا على من لا عون لهم ، العاجزين عن الدفاع عن أنفسهم ، فيطردونهممن مواضعهم .
يرى بعض الدارسين أن المزمور يمثل استغاثة تصدر عن الكنيسة وقت الأضطهادات ، خلالها تتوجه أنظارها واهتماماتها إلى التكريس للشهادة الإنجيلية ، كما تعين المؤمن فى احتماله ضيقاته ومتاعبه الشخصية ، وما يعانيه من كبرياء الأشرار .
والعجيب أن هذا المزمور يناسب المؤمن التقى الساقط تحت وطأة الضيق أينما وجد فى العالم ، وفى أى زمان ! إنه يصف الكنيسة المتألمة ، كنيسة السيد المسيح ، ويكشف عن المصير المحتوم للأشرار أعدائها .
" يارب لماذا تقف بعيدا ؟
لماذا تختفى فى أزمنة الضيق ؟ " [ 1 ]
الله لا يتخلى قط عن قديسيه أثناء ضيقهم ، لكن المؤمن أحيانا إذ ينتظر التعزية الإلهية طويلا يبدو له وسط آلامه كأن الله يقف صامتا ، أو كأنه يقف بعيدا ، فيصرخ متساءلا : " يارب ، لماذا تقف بعيدا ؟ " .
بلا شك أن حضور الله هو مصدر الفرح والتعزية لشعبه ، أما الشك فى حضوره فيسبب قلقا وفقدانا للسلام الداخلى . وإن كان البعض يرى فى تساؤل المرتل عتاب حب واعتراضا مقدسا ورعا وليس غريبا . فقد حدث موقف مماثل على الصليب ، قائم على أساس الإيمان بأن الله يرى كل شىء ، وأنه وحده قادر أن يهب النجاة ، فهو إله عادل يحكم بالعدل فى النهاية ...
الشدة لا بد أن تزول يوما ما ، لكن ما أقتنيه هو إشراق وجهك على وقت الضيق ...
" قم ياربى وإلهى ..
ولترتفع يدك ،
ولا تنس المساكين " [ 12 ]
بعدما وصف المرتل سمات الشرير المرة ومقاومته العنيفة الشرسة والمملوءة دهاء ضد أولاد الكنيسة المدعوين " مساكين " ، يصرخ المرتل طالبا تدخل الله المخلص الذى يبدو كما لو كان نائما فى السفينة : " قم ياربى وإلهى ! " .
حينما يفتر إيماننا إلى حين نصير كأننا نائمون أو كأن السيد المسيح نائم فى سفينتنا فنيقظه كما فعل تلاميذه ، قائلين له : " يا سيد نجنا فإننا نهلك " مت 8 : 25 .
لعل المرتل هنا – إذ تشتد به الضيقة جدا – يجد فى صليب رب المجد وقيامته سر القوة ، فيصرخ أن ترتفع يده ، أى يعلن قوة صليبه حيث ارتفعت يده بالقوة لتحطم سلطان إبليس مصدر الشر ، طالبا منه أن يقوم فى قلبه ، واهبا إياه قوة قيامته مصدر الغلبة حتى على الموت ، فيقول مع توما الرسول : " ربى وإلهى " !
+ + +