المزمور الأول
الإنسان المطوب
يبدأ معلمنا داود النبى مزاميره
1 – بكلمة طوبى ... وهى نفس الكلمة التى بدأ بها السيد المسيح رسالته على الأرض :
" طوبى للمساكين بالروح ...الخ " مت 5 : 3 .
وهنا ينكشف لنا تشجيع الله ، فهو يطوبنا عندما نبتعد عن الشر – كما طوب السيد المسيح بطرس الرسول عند اعترافه بألوهيته " طوباك يا سمعان بن يونا ... " مع أن اعتراف بطرس لم يكن من ذاته لكن من الله الآب الذى فى السماء .
قداسة البابا شنودة الثالث يعرف كلمة " طوبى " بأنها تعنى أمرين هما : " السعادة والبركة " .
" طوبى للرجل الذى لم يسلك فى مشورة المنافقين ،
وفى طريق الخطاة لم يقف ،
وفى مجلس المستهزئين لم يجلس " [ 1 ]
" وفى ناموس الرب يلهج نهارا وليلا "
تفهم ( هذه العبارة ) أى بلا انقطاع .. ربما يقصد بالنهار : " فى الفرح " وبالليل : " فى الضيقات " ... فقد قيل : " أبوكم إبراهيم تهلل بأن رأى يومى فرأى وفرح " يو 8 : 56....
" وكل ما يصنعه ينجح فيه "
بمعنى أنه لا ينجح فقط فى حياته الروحية بل وفى كل جوانب الحياة ، لأن النجاح هو سمة الحياة المطوبة .
" لا يقوم المنافقون فى الدينونة ، ولا الخطاة فى مجلس الأبرار " [ 5 ]
لا يقدر الأشرار أن يقوموا للدفاع عن أنفسهم فى دار الشريعة ، عندما يحل وقت القضاء ، فى الدينونة يرون الرب مهوبا ، عينيه كلهيب نار ، أما أولاد الله فيرونه عريسا سماويا يضمهم إلى مجده !
" يعرف الرب طريق الأبرار ، أما طريق المنافقين فتباد " [ 6 ]
معرفة الرب ليست إدراكا ذهنيا مجردا بل شركة فعالة ( عاموس 3 : 2 ) .
بطريقة أخرى : المسيح هو الطريق والحياة والحق ( يو 14 : 6 ) ، لنسير فى المسيح فيعرف الله الآب طريقنا .
والكنيسة تقدم لك أيضا فى بدء صلاة باكر قطعة وعظية أخرى ، عبارة عن فصل من الرسالة إلى أفسس " الإصحاح الرابع " يقول فيها القديس بولس الرسول : " أسألكم أنا الأسير فى الرب أن تسلكوا كما يليق بالدعوة التى دعيتم إليها ، بكل تواضع القلب والوداعة وطول الأناة ، محتملين بعضكم بعضا بالمحبة ، .. الخ "
هذا الفصل من أفسس ، وهذا المزمور ، إرشاد لازم فى بدء اليوم .
المسألة إذن ليست مجرد صلاة ، إنما هى أيضا سلوك .
+ + +
المزمور الثانى
عش ملكــــا
الآن فى هذا المزمور الملوكى يقدم لنا المرتل المسيا " الملك العام " بكونه الطريق الضيق المجيد ، فيه ندخل إلى معركة الصليب الروحية فنصير ملوكا ، إذ قيل : " جعلنا ملوكا وكهنة " رؤ 1 : 6 .
1 – مسيح الرب :
" قام ملوك الأرض وتآمر الرؤساء معا ،
على الرب وعلى مسيحه " [ 2 ]
اهتمت كثير من المزامير الملوكية بالكشف عن قدسية عمل الملك ، خاصة فى هذا المزمور ، حيث ذكر أنه مختار من الله .
لقد مسح ( الإبن المتجسد ) لينوب عنى فى المعركة الروحية ، واهبا إياى نصرته ( 1 يو 2 : 13 ) . فيه نصير نحن أيضا مسحاء الرب خلال مسحة الميرون ، أعضاء جسده المقدس ، أبناء الله ، وذبائح حب من أجل الآخرين .
يقصد المرتل بالملوك والرؤساء القادة الأشرار الذين مع تباين مصالحهم اتحدوا معا عند لحظات الصليب ضد السيد المسيح . اتحد ليس فقط الأقوياء بل وأيضا الرعاع ، إذ صرخ الشعب : " اصلبه ! أصلبه ! " وكما يقول ربنا : " ابغضونى أنا وأبى " يو 15 : 24 . ابغضوه هو وأباه ، قائلين : " لنقطع أغلالهما ولنطرح عنا نيرهما " [ 3 ] .
2 – السماوى المتوج [ 2 ، 4 ]
" الساكن فى السموات يضحك بهم " [ 4 ]
إنه فى السماء بعيدا عن متناول تهديداتهم ومحاولاتهم العاجزة . هناك يعد عرشه للدينونة ، لذا يسهل جدا الأستهزاء بمحاولات الأعداء .
3 – الإبن الوحيد الجنس [ 7 ]
" أنت ابنى وأنا اليوم ولدتك " ، ولم يقل : " أنا خلقتك " .
لا يدعو الإبن الله خالقه فى ولادته الأزلية الإلهية ، بل أباه .
" هذا هو ابنى الحبيب الذى به سررت " مت 3 : 17 . لهذا يخدمه الملائكة بكونه فوقهم ، يسجدون له بكونه أعظم منهم فى المجد ، وفوق كل المخلوقات .. وهو وحده ابنه الحقيقى جوهريا .
المسيح القائم من الأموات :
يسبح بهذا المزمور فى صلاة باكر بكونه مزمور القيامة ...
يختم المزمور بالقول : " طوبى لجميع المتكلين عليه " [ 12 ]
الثقة فيه هى أمر أعظم من الإيمان ، فإنه إذ يؤمن إنسان أن ابن الله هو معلمنا يثق أن تعاليمه هى حق .
+ + +
المزمور الثالث
الله مخلصى
هذا المزمور هو مرثاة شخصية ، يعبر بها المؤمن عما يتوقعه من متاعب وآلام مع كل صباح جديد خلال معركة الخلاص
بمعنى آخر هذا المزمور هو مرثاة مؤلمة وفى نفس الوقت هو أنشودة مفرحة . إنه نشيد عسكرى نعزفه أثناء المعركة الروحية ، وهو تسبحة غلبة حيث تتهشم أسنان الأشرار فنراهم أضحوكة ، بينما يتمجد الله ويتبارك شعبه .
هذا المزمور يمس حياة داود الشخصية ، ويحمل نبوة عن شخص المسيح ابن داود ، يمس حياة كل واحد منا خلال علاقته الشخصية مع مخلصه كما يمس حياة الجماعة المقدسة ككل ! يبدأ بصيغة المفرد وينتهى بصيغة الجمع : " على شعبه بركته " !
الخط الواضح فى هذا المزمور هو تمتعنا بالخلاص الإلهى خلال قيامة مسيحنا بالرغم من كثرة المقاومين لنا .
وهو يتحدث فى صلاته عن خبراته الروحية فيقول : " بصوتى إلى الرب صرخت ، فاستجاب لى من جبل قدسه " . والمزمور أيضا فيه ثقة واتكال على الله ، إذ يقول : " للرب الخلاص وعلى شعبه بركته " ..
ومع أنه يبدأ بالشكوى والعتاب والإستغاثة إلا أنه ينتهى بالتهليل ( هللويا ) إذ يتذكر أعمال الله معه .
ويصلح هذا المزمور لكل من هو فى ضيقة من أعدائه ، ولكل من هو مضغوط من حروبه الروحية .
وهو أيضا نبوءة عن السيد المسيح فى آلامه وموته وقيامته ...
ما أعجب داود النبى فى مزاميره ! وما أعجب مزاميره : كيف تبدأ وكيف تنتهى !
المسيح المضطهد :
" يارب لماذا كثر الذين يحزنوننى ؟ " [ 1 ]
لقد طرد داود من موضعه ومن المدينة الملوكية ، وحرم من تابوت العهد المقدس كما من شعبه ، طرده أبشالوم الإبن المتمرد الذى وضع فى قلبه لا أن ينتزع عنه تاجه فحسب وإنما حياته نفسها أيضا ( 1 صم 15 ) ، لذا صار داود يشكو إلى الله ملجأه .
عند هروبه صعد على جبل الزيتون فى حزن شديد ، وكان يبكى بكاء شديدا ، مغطيا رأسه ، حافى القدمين ، ينشد ويصلى هذه المرثاة . بالحقيقة لم يكن ممكنا للضيق أن يسحبه من الله بل بالعكس قاده إلى ظل قيامة المسيح ابن داود الذى اجتاز الضيق والآلام والصلب .
يرى العلامة ترتليان أن هذه الصرخات إنما هى حديث السيد المسيح ابن داود مع الآب لحسابنا نحن المتألمين المتروكين كمن هم بلا عون ....
" كثيرون يقولون لنفسى ليس له خلاص بإلهه " [ 2 ]
هذا هو هدفهم فى أحاديثهم : " فلينزل الآن عن الصليب إن كان ابن الله " ، " خلص آخرين وأما نفسه فما يقدر أن يخلصها " مت 27 : 42 ...
" أنا اضطجعت ونمت ثم استيقظت " [ 5 ]
نلاحظ أن تعبير " أنا " هنا يشير إلى موت ( المسيح ) بإرادته ، إذ يقول :
" لهذا يحبنى الآب لأنى أضع نفسى لآخذها أيضا ، ليس أحد يأخذها منى بل أضعها أنا من ذاتى ، لى سلطان أن أضعها ولى سلطان أن آخذها أيضا " يو 10 : 17 ، 18 .
صوت القلب :
" بصوتى إلى الرب صرخت " [ 4 ]
بصوت القلب يتحدث مع الله !
من أجل هذا الصوت أمر الرب أن تكون الصلاة فى المخدع ( مت 6 : 6 ) ، حتى يتحقق هذا الصوت فى أعماق القلب فى هدوء .. هذه هى صلاة القديسين ، رائحة عذوبة تصعد أمام عينى الرب .
للرب الخلاص :
" للرب الخلاص ، وعلى شعبه بركته " [ 8 ]
ينتهى المزمور بنغمة النصرة ، هذه الفقرة ربما كانت ترنم كقرار تنشده كل الجماعة التى تقف أمام الرب الملك ، حيث يستعلن مجد الرب فى خلاص شعبه ومباركتهم .
+ + +
المزمور الرابع
اللـــه برى
1 – الحياة البارة :
" إذا دعوت استجبت لى يا إله برى "
ربنا هو برنا ، وكما يقول القديس بولس : " لأن غاية الناموس هو المسيح للبر لكل من يؤمن " رو 10 : 4 .
2 – الحياة المتسعة ( الرحبة ) :
يدعونا ربنا إلى حمل صليبه والسير فى الطريق الضيق . وبمشاركتنا إياه فى صليبه ننعم برحابة الأفق واتساع القلب بقوة قيامته المجيدة المفرحة .
" فى الضيق رحبت لى " [ 1 ] . قدتنى من ضيق الحزن إلى طريق الفرح المتسع ....
اتساع القلب – فى رأى القديس أغسطينوس – يقتنى بالروح القدس الذى يسكب الحب فى القلب .
على نقيض أصحاب القلوب المتسعة يوجد ثقيلوا القلب والكاذبون الذين يسعون وراء الباطل . لهذا يقول المرتل :
" يا بنى البشر حتى متى تثقل قلوبكم ؟!
لماذا تحبون الباطل وتبتغون الكذب ؟! " [ 2 ]
3 – الحياة المستنيرة
" قد أضاء علينا نور وجهك يارب " [ 6 ] .. ففى السيد المسيح تستنير النفس وتختم بنور وجهه . بهذا يتحقق إصلاحنا وننال صورة الله ونصير على مثاله .
لقد أضاء وجه موسى النبى عندما دخل فى علاقة وثيقة مع الله .
+ + +
المزمور الخامس
ضد المسيح
فى هذه المرثاة ، يحول داود النبى اهتمامه إلى أخيتوفل المستشار الشرير لأبشالوم ، المشبه بضد المسيح .
يظهر المرتل هنا التضاد بين أمان بيت الله والخطر الذى يلحق بمصاحبة الشرير ، يقارن المرتل بين نفسه وأخيتوفل ، بكونه رمزا للكنيسة – بيت الله الروحى – المتحدة مع إبن داود ، والتى تدخل فى معركة مستمرة مع ضد المسيح ، بينما يمثل أخيتوفل ضد المسيح وأتباعه الشعب الشرير .
صرخ داود ثلاث مرات ، سائلا الله أن يسمع صلاته ، قائلا :
" انصت يارب لكلماتى ،
وافهم صراخى .
اصغ إلى صوت طلبتى يا ملكى وإلهى " [ 1 ]
( يارب ، يا ملكى ، وإلهى ) إشارة إلى الثالوث القدوس .
التكرار ثلاث مرات هنا يشير إلى شدة محبة داود ولجاجته فى الصلاة .
" أما أنا فبكثرة رحمتك أدخل بيتك ،
وأسجد قدام هيكل قدسك بمخافتك " [ 7 ]
بيت الله ملجأ المرتل ، وعبادته هى درعه ..
من يحب الرب يبتهج فى الرب !
+ سأدخل بيتك كحجر فى البناء .. ربما يعبر داود هنا عن اقتناعه بأن نفيه لن يدوم طويلا ، معلنا تصميمه على انتهاز أول فرصة للدخول إلى بيت الله .
+ + +