الحكمة لازمة لكل إنسان. ولازمة في كل وقت. ولكل شيء.. وذلك لكي يعرف كل شخص كيف يتصرف حسناً. وكيف يتعامل مع غيره من الناس.. الحكمة تعلمه كيف يتلافى الخطأ والخطر. وكيف يكون بلا لوم أمام الناس. بل موضع ثقة واحترام منهم. والحكمة تدخل في كل فضيلة من الفضائل... بحيث ان الفضيلة التي لا تُمارس بحكمة. قد تأتي بنتيجة عكسية أوضارة. فالتواضع فضيلة جميلة. ولكن إذا سلك الإنسان فيه بغير حكمة. قد يصل إلى ضياع شخصيته وكرامته واحترام الناس له. والعطاء أيضاً والإحسان إلى الغير من أحسن الفضائل. ولكن إذا سلك شخص فيه بغير حكمة. قد يقع فريسة للمحتالين فيعطيهم بدلاً من أن يعطي المحتاجين.
وهكذا كل فضيلة تحتاج إلى حكمة في ممارستها.
الحكمة تشمل العقل. كما تشمل الإرادة أيضاً... فهي تشمل الذكاء. والفهم والتمييز. وتشمل كذلك حسن التصرف.. هي تشمل الهدف المطلوب. وكذلك الطريقة التي توصل إليه. وليست كل وسيلة توصلك إلى هدفك هي وسيلة سليمة. فالحكمة النقية هي التي تختار وسائل يوافق عليها الضمير. أما حكمة الأشرار. ففيها المكر والخبث والدهاء. وربما من وسائلها الكذب والخداع. ولها كثير من السبل والطرق يدبرهاالشيطان. ومن العجيب أن تلك الطرق الخبيثة قد توصّل بسرعة. ويقدم عليها كثيرون. ولكنها غير مقبولة أمام الله..
والحكمة لازمة للتمييز بين ما ينبغي عمله. وما لا يصح. وبين ما يجب وما يجوز.. وفي الواقع أن الأعمال تنقسم إلى أربعة أقسام: عمل هو خير واضح. وعمل هو شر واضح. وكل منهما لا يحتاج إلى تمييز. أما النوع الثالث. فهو الذي يحتار أمامه الفكر: أهو خطأ أم صواب؟ أو يحتار أمام نتيجته أو وسيلته! وهو في الواقع يحتاج إلي حكمة وإفراز. أو على الأقل يحتاج إلى مشورة صالحة. وإلى كلمة منفعة تنير الطريق أمامه. وهنا تبدو فائدة المرشدين والحكماء. والنوع الرابع الذي يحتاج إلى حكمة. فهو التفضيل بين طريقين. لايدري الضمير أيهما أصلح. فقد يكون كل منهما خيراً في ذاته. ولكن أيهما أكثر خيراً. أوأكثر مناسبة لهذا الشخص بالذات؟ أيهما أفضل له هو؟ ينفعه ويناسب طبيعته. كل هذه الأمور تحتاج إلى حكمة. وإلى تباطؤ وفحص..
هناك مجال آخر يحتاج إلى حكمة. وهو طريقة الوصول إلى فضيلة معينة. أو طريقة التدرج إليها.. فالفضائل واضحة مشروحة في الكتب الروحية. ولكن ما هي نقطة البدء؟ وما هو الأسلوب الأمثل لاكتسابها؟ والبعض قد يندفع إليها بسرعة ربما تأتي بنتيجة عكسية. أو تأتي بنكسة روحية! والبعض قد يسلك ببطء. ربما يؤدي إلى فتور أو كسل أو تراخ! والعقل قد يقف حائراً بين حرارة السرعة وتباطؤ التدرج. ويحتاج إلى حكمة كيف يسلك؟
تلزم الحكمة أيضاً في أمور معينة تبدو حساسة أو مصيرية: فقد يتصرف الإنسان بجهل تصرفاً يندم عليه كل أيام حياته. وربما يرتكب غلطة تكون غلطة العمر كله. ويأسف عليها ولا ينفعه الأسف والأسى! وكان الأمر يحتاج إلى حرص. أو إلى حكمة. أو إلى مشورة.. وأحياناً يتحمس الإنسان لتصرف معين. حماساً يملك عليه كل عواطفه. ولايكون هذا الحماس في صالحه. وقد يندم عليه! وقد يقول بعد فوات الفرصة: ليتني ما فعلت! ليتني استشرت! وربما كان الأمر يحتاج إلى حكمة في النظر إليه من زوايا أخرى. أو التفكير في نتائج معينة..! لذلك فالمشورة تقدم وجهات النظر الأخرى. أو تنبه إلى رؤية من زوايا غير واضحة. أو التبصرة بنتائج لم يعمل لها حساب..